سحر القلوب
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
وسائل في التأثير على القلوب :
هذه سهام لصيد القلوب ، أعني تلك الفضائل التي تستعطف بها القلوب ، وتستر بها العيوب وتستقال بها العثرات ، وهي صفات لها أثر سريع وفعّال على القلوب ، فإليك أيها المحب سهاماً سريعة ما أن تطلقها حتى تملك بها القلوب فاحرص عليها ، وجاهد نفسك على حسن التسديد للوصول للهدف واستعن بالله .
الوسيلة الأولى الابتسامة :
قالوا هي كالملح في الطعام ، وهي أسرع سهم تملك به القلوب وهي مع ذلك عبادة وصدقة ، ( فتبسمك في وجه أخيك صدقة ) كما في الترمذي ، وقال عبد الله بن الحارث ( ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ).
الوسيلة الثانية البدء بالسلام :
سهم يصيب سويداء القلب ليقع فريسة بين يديك لكن أحسن التسديد ببسط الوجه والبشاشة ، وحرارة اللقاء وشد الكف على الكف ، وهو أجر وغنيمة فخيرهم الذي يبدأ بالسلام ، قال عمر الندي ( خرجت مع ابن عمر فما لقي صغيراً ولا كبيراً إلا سلم عليه )، وقال الحسن البصري ( المصافحة تزيد في المودة ) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق ). وفي الموطأ أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( تصافحوا يذهب الغل ، وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء ) قال ابن عبد البر هذا يتصل من وجوه حسان كلها .
الوسيلة الثالثة الهدية :
ولها تأثير عجيب فهي تذهب بالسمع والبصر والقلب ، وما يفعله الناس من تبادل الهدايا في المناسبات وغيرها أمر محمود بل ومندوب إليه على أن لا يكلف نفسه إلا وسعها ، قال إبراهيم الزهري : (خرّجت لأبي جائزته فأمرني أن أكتب خاصته وأهل بيته ففعلت ، فقال لي : تذكّر هل بقي أحد أغفلناه ؟ قلت : لا قال : بلى رجل لقيني فسلم علي سلاماً جميلاً صفته كذا وكذا ، اكتب له عشرة دنانير ) انتهى كلامه .
انظروا أثّر فيه السلام الجميل فأراد أن يرد عليه بهدية ويكافئه على ذلك .
الوسيلة الرابعة الصمت وقلة الكلام إلا فيما ينفع :
وإياك وارتفاع الصوت وكثرة الكلام في المجالس ، وإياك وتسيد المجالس وعليك بطيب الكلام ورقة العبارة ( فالكلمة الطيبة صدقة ) كما في الصحيحين ، ولها تأثير عجيب في كسب القلوب والتأثير عليها حتى مع الأعداء فضلاً عن إخوانك وبني دينك ، فهذه عائشة رضي الله عنها قالت لليهود : ( وعليكم السام واللعنة ) فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مهلاً يا عائشة فإن الله يحب الرفق في الأمر كله ) متفق عليه ، وعن أنس رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عليك بحسن الخلق وطول الصمت فو الذي نفسي بيده ما تجمل الخلائق بمثلهما ) أخرجه أبو يعلى والبزار وغيرهما .
قد يخزنُ الورعُ التقي لسانه
= حذر الكلام وإنه لمفوه
الوسيلة الخامس حسن الاستماع وأدب الإنصات :
وعدم مقاطعة المتحدث فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقطع الحديث حتى يكون المتكلم هو الذي يقطعه ، ومن جاهد نفسه على هذا أحبه الناس وأعجبوا به بعكس الآخر كثير الثرثرة والمقاطعة ، واسمع لهذا الخلق العجيب عن عطاء قال : ( إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأني لم أسمعه وقد سمعته قبل أن يولد ).
الوسيلة السادسة حسن السمت والمظهر :
وجمال الشكل واللباس وطيب الرائحة ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الله جميل يحب الجمال ) كما في مسلم . وعمر بن الخطاب يقول : ( إنه ليعجبني الشاب الناسك نظيف الثوب طيب الريح )، وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل : ( إني ما رأيت أحداً أنظف ثوبا و لا أشد تعهدا لنفسه وشاربه وشعر رأسه وشعر بدنه ، ولا أنقى ثوبا وأشده بياضا من أحمد بن حنبل ).
الوسيلة السابعة بذل المعروف وقضاء الحوائج :
سهم تملك به القلوب وله تأثير عجيب صوره الشاعر بقوله :
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
= فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ
بل تملك به محبة الله عز وجل كما قال صلى الله عليه وسلم : ( أحبُ الناس إلى الله أنفعهم للناس )، والله عز وجل يقول : (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ).
إذا أنت صاحبت الرجال فكن
= فتى مملوك لكل رفيق
وكن مثل طعم الماء عذبا وباردا
= على الكبد الحرى لكل صديق
عجباً لمن يشتري المماليك بماله كيف لا يشتري الأحرار بمعروفه ، ومن انتشر إحسانه كثر أعوانه .
الوسيلة الثامن بذل المال :
فإن لكل قلب مفتاح ، والمال مفتاح لكثير من القلوب خاصة في مثل هذا الزمان ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلى منه خشية أن يكبه الله في النار ) كما في البخاري .
صفوان ابن أمية فر يوم فتح مكة خوفا من المسلمين بعد أن استنفذ كل جهوده في الصد عن الإسلام والكيد والتآمر لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيعطيه الرسول صلى الله عليه وسلم الأمان ويرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب منه أن يمهله شهرين للدخول في الإسلام ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل لك تسير أربعة أشهر ، وخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين والطائف كافراً ، وبعد حصار الطائف وبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر في الغنائم يرى صفوان يطيل النظر إلى وادٍ قد امتلأ نعماً وشاء ورعاء . فجعل عليه الصلاة والسلام يرمقه ثم قال له يعجبك هذا يا أبا وهب ؟ قال : نعم ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم هو لك وما فيه . فقال صفوان عندها : ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي ، اشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
لقد استطاع الحبيب صلى الله عليه وسلم بهذه اللمسات وبهذا التعامل العجيب أن يصل لهذا القلب بعد أن عرف مفتاحه .
فلماذا هذا الشح والبخل ؟ ولماذا هذا الإمساك العجيب عند البعض من الناس ؟ حتى كأنه يرى الفقر بين عينيه كلما هم بالجود والكرم والإنفاق .
الوسيلة التاسعة إحسان الظن بالآخرين والاعتذار لهم :
فما وجدت طريقا أيسر وأفضل للوصول إلى القلوب منه ، فأحسن الظن بمن حولك وإياك وسوء الظن بهم وأن تجعل عينيك مرصداً لحركاتهم وسكناتهم ، فتحلل بعقلك التصرفات ويذهب بك كل مذهب ، واسمع لقول المتنبي :
إذا ساء فعل المرءِ ساءت ظنونه
= وصدق ما يعتاده من توهم
عود نفسك على الاعتذار لإخوانك جهدك فقد قال ابن المبارك : ( المؤمن يطلب معاذير إخوانه ، والمنافق يطلب عثراتهم ).
الوسيلة العاشرة أعلن المحبة والمودة للآخرين :
فإذا أحببت أحداً أو كانت له منزلة خاصة في نفسك فأخبره بذلك فإنه سهم يصيب القلب ويأسر النفس ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته في منزله فليخبره أنه يحبه ) كما في صحيح الجامع ، وزاد في رواية مرسلة ( فإنه أبقى في الألفة وأثبت في المودة )، لكن بشرط أن تكون المحبة لله ، وليس لغرض من أغراض الدنيا كالمنصب والمال ، والشهرة والوسامة والجمال ، فكل أخوة لغير الله هباء ، وهي يوم القيامة عداء ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ).